مدونة خاصة .. للمشرف التربوي عبد العزيز الدقيل نقدم فيها كل ما يهتم بالتربية الفنية بشكل عام ( الفن المعاصر والتربية الفنية للفئات الخاصة ..ذوي الاعاقة ، والعلاج بالفن التشكيلي .

عن المدونة

الأحد، 15 يناير 2012

أهداف خفية في تدريس التربية الفنية

يخطئ من يظن أن هدف الفن مجرد الزينة والتجميل، فهو ذو رسالة أسمى من ذلك وأرفع، إن لـه دوراً إيجابياً في الكشف عن النفس الإنسانية، وسبر أغوارها البعيدة، والنفاد إلى أسرارها الدفينة، إنه تعميق الشعور بالحياة والتفطن إلى ما هو خفي من العواطف والمشاعر. ولا شك أن الفن يزيد الإنسان معرفة بنفسه، وإدراكاً للحياة من حوله، ويفتح الفنان قلبه على دنيا الناس الذين يعيش معهم، ويقيم التعاطف بينه وبينهم. ويتيح للإنسانية آفاقاً جديدة من الرقي والتقدم. فالفن كالهواء لا مكان له ولا حدود لـه، إنه أداة لحل المشكلات الفعلية التي تطرأ على حياة الإنسان، والفنان الحق هو الذي يحقق ذاته ويواجه مشكلات المجتمع ويتصدى لها بالإيجابية، ويسهم بدور حقيقي في حياة الناس، باعتباره نموذجاً حياً للفكر المتعمق والثقافة الشاملة.
أن الفن ينمو عند الإنسان تلقائياً شأنه شأن وسائل التعبير الأخرى كاللغة والكتابة من حيث أن لـه عناصر تعبيرية مختلفة وأن أدواته الفكر والإدراك والعمل الجسمي وهو جزء من العملية التربوية المتعلقة بالتطور الإنساني في العلم والمعرفة، وكشيء متمايز عن الأنشطة الأخرى وله وظائف سيكولوجية وفسيولوجية، ويعتبره علماء النفس والفسيولوجيا شيئاً مهماً في حياة الإنسان، والفن وجد بواقع مميز بحياة الإنسان لا يمكن الاستغناء عنه، فهو يوفر للحواس أكبر قدر من الراحة النفسية وفيه تبزغ المواهب الفنية ويكتسب الإنسان وعياً بتذوق الجميل ومعرفة القبيح، وقد يقاسي معظم أطفالنا من الحرمان في ممارسة نشاطاتهم الفنية في البيت والمدرسة بسبب الإهمال من قبل آبائهم وأمهاتهم، وكثير من الناس لم يكونوا قد تعلموا كيف يستفيدون من وقت فراغهم في تنمية تفكيرهم وخيالهم وذوقهم وإحساسهم في الفن.
ومع ما سبق ذكره من فوائد  ألا أنه وللآسف نجد التربية الفنية لا زالت هي المقرر المظلوم بين المقررات الدراسية في مدارسنا وكذلك بين أفراد المجتمع، ولازال وعي المجتمع بأهمية المادة لا يذكر، والذي لا يعرف عنها كما يسميها البعض ألا أنها شخبطات بالألوان لا فائدة ترجى منها، ولكن هناك عدة أهداف خفية في تدريس التربية الفنية والكثيرلا يعلمها، وألا ألوم أحيانا المجتمع لعدم إدراكه لهذه الأهداف فقد ساهم بعض معلمي المادة في هز صورة المادة بسبب عدم عمله على تحقيق أهداف التربية الفنية سواءً المعلنة أو الخفية التي تأتي ضمناً أو في ثنايا الدروس أما بسبب جهله بها أو بسبب تجاهلها قصداً.. ولن أتحدث عن أهداف التربية الفنية الصريحة والمعروفة، أنما سأشير بإشارات سريعة حول الأهداف الخفية والتي نستخلص منها فوائد عظيمة في دروس التربية الفنية والتي يستفيد منها الطالب فل في مسيرة حياته ومستقبله .
فقد رأت مارجريت نومبيرج المربية والعالمة النفسية " إن التربية الفنية هي تنمية قدرات النشأ العقلية والمعرفية، والبصرية كي يصبحوا قادرين على التكيف الاجتماعي، وما يرتبط بذلك من قيم جمالية وثقافية ، وأشارت إلى الرغبات والحاجة النفسية وإلى التنفيس عن المكبوتات وناقشت مصادر الانفعالات، وأوضحت الشعور واللاشعور وأثر كل تلك العوامل على تصرف الشخص؛ فألفت كتاباً بعنوان “الطفل والعالم” “The Children and the World” وصورت فيه معاناة الطفل والضغوط الصارمة التي يلاقيها في البيت والمدرسة، وأكدت على أن  دروس التربية الفنية لو قدمت بشكل أفضل ستسهم في التخفيف عن الطفل؛ كونها تعطيه الفرصة للتعبير عن ذاته والتنفيس عما بنفسه. فأصبح للتربية الفنية دوراً في تحقيق التوازن النفسي والعلاج الوقائي للطفل بهدف تحقيق الصحة العقلية " .
لذا نجد أن من أهداف التربية الفنية الخفية أنها تتيح الفرصة للتلاميذ للتنفيس عن الضغوط النفسي كالألم والغضب والخوف ويحولها إلى فعل يساعد على تخفيف الانفعالات الحادة ، والتي لا يمكن التعبير عنها باللفظ أو في المجالات والمواد العلمية الأخرى التي يمارسها في المدرسة .
وللتربية الفنية أهداف تربوية أخرى تمكن الطفل من تكوين علاقات حساسة أكثر في بيئته ومجتمعه وينمو الفن مع الأطفال طبيعياً ويكون أكثر جمالاً ومتعة ، حيث يجد الطفل في الرسم مخرجاً للتنفيس عما هو بداخله وينسى كل همومه ومشاكله .
وتعد الرسوم سجلاً حياً لحياة الطفل العقلية والنفسية والجسمية ، وسيكولوجية رسوم الأطفال أحد فروع علم النفس الذي يبحث بتطور رسوم الأطفال مع مراحل النمو المختلفة للطفل، وهذه الدراسة تفيد المربي الذي يفسر إنتاج الطفل الفني تفسيراً صحيحاً فيوجه الطفل التوجيه التربوي الصحيح ، وأهميته لمعلم التربية الفنية المتفهم لخصائص رسوم الأطفال الذي يستطيع من خلال الرسوم للطفل من دراسة شخصيته بشكل عام وعمره العقلي، كما أنه يمكن قياس ذكاء الطفل ومعرفة قدراته من خلال رسومه .
ومن الأهداف الخفية للتربية الفنية أنها تتيح من خلال أنشطتها مجالاً أمام الطلاب كي يندمجوا في الممارسات الابتكارية وهذا الاندماج الفعال المتمثل في تركيب العناصر الفنية أساس النمو الذاتي للطلاب.. وهذا النوع من الممارسة الابتكارية ينعكس على السلوك العام للطلاب طوال حياته حتى لو لم يحترف الفن مستقبلاً .
التعبير الفني يحمل الكثير من الابتكار .. والابتكار جزء هام في ميدان وأهداف التربية الفنية .. ولا يوجد في التعبير الفني إجابة واحدة سليمة ، ولكن هناك احتمالات عديدة متنوعة تحقق القيم الجمالية ، ومع الاهتمام بالابتكار اتجهت ممارسة التربية الفنية إلى تشجيع النشاط التجريبي كأسلوب ابتكاري لحل المشكلات .. وأصبح معلم التربية الفنية يسعى إلى تقديم خامات جديدة وموضوعات مستحدثة تؤكد على الخبرات التي تنمي قدرات الطالب  الابتكاريه .
كما تلعب التربية الفنية دوراً هاماً في شغل وقت فراغ الطفل، فالطفل عادة بعد أن ينتهي من يومه المدرسي، ويعود إلى المنزل، يجد أوقاتاً يريد أن يمارس فيها بعض أنواع الهوايات النافعة التي تجعل هذه الأوقات مسلية ومثمرة. وهذه الأوقات تكون طويلة في الإجازات، فإن تعليم هذا الطفل للرسم  والأشغال الفنية المختلفة يساعده في أن يجد ما يشغله، إذ يمكنه أن يرسم مناظر من الطبيعة أو يصور موضوعات تعبيرية تسجل بعض خواطره وانفعالاته، بدلاً من الوقت الكبير الذي قد يضيعه أمام شاشات التلفاز أو الألعاب الالكترونية أو الأجهزة الحديثة التي أخذت الأطفال وأبعدتهم عن الأنشطة الحركية والعضلية النافعة .  
أن من الخطأ اعتبار الرسم  في المدارس عملية يتلقن فيها الطالب  عادات و طرائق يدوية في نسخ الطبيعة والأشكال، بل القصد هو أن يكتسب خصالا نفسية  تتأصل في شخصيته وتصبح من طبائعه الأساسية، إذ أن هذه الخصال تنمو وتتطور مع الطالب، إذا أحيط بجو الحرية و التفهم، لذلك أعتبر أن وجود معلم التربية الفنية  الكفء في مدارسنا قضية لها أهميتها الكبرى، لأنه لا قيمة لمادة التربية الفنية من غير موجهها ومدبرها.
إن رسوم الأطفال تحمل حالات (الأنا) بأبسط معاني فرحها و أحزانها، و علينا كمعلمين وكمربين أن نحترم عطاء الطفل، وأن نوجه تصوراته برفق وحنان، إذ في هذا العطاء ، تنمو حضارتنا الفنية ، و تصبح البيئة أفضل مما كانت عليه ، لأن الطفل يعتاد خدمة الحضارة، وهو على مقاعد الدراسة.
المعلم لا يعلم الطفل الفن كفن ، و الرسم كرسم ، بقدر ما يعلمه الملاحظة ، ولفت النظر، بغية تنمية قدراته، فهو ليس بحاجة إلى نظريات ومبادئ بل هو أحوج ما يكون إلى المحادثة، والتشجيع، لنعلم الطفل كيف يفكر، ويبتكر بحرية، ولنلاحظ إنتاجه بحذر من غير مساس مباشر، فنكسبه فيما بعد رجلاً يعتاد التفكير، و الابتكار بحرية تامة.
أن من الواجب علينا كمعلمين للتربية الفنية الاهتمام بهذه الأهداف الخفية والتأكيد عليها لترى الأسرة والمجتمع أثرها على الطالب، ويجب أن نعممها في كل المؤسسات التربوية العامة والخاصة، لا من أجل أن نصنع من هؤلاء الأطفال فنانين ورسامين، بل لكي يمارس الأطفال عملية الرسم والتلوين وتنفيذ الأشغال الفنية بحرية وعفوية ، ليتذوقوا ما في هذه الممارسة من متعة للشعور وللتفكير، خاصة وأن الفن لم يعد يقتصر على الفنانين المحترفين، ولا على صالات العرض ، بل دخل حياتنا العامة والمدرسية ، وأصبح وسيلة تربوية أساسية ، يلعب دوراً مهما في بناء الشخصية الإنسانية المتكاملة.

0 التعليقات:

إضغط هنا لإضافة تعليق

إرسال تعليق

Blogger Widgets